دار رعاية الفتيات والتصريحات المتناقضة
إنّ أحداث دار رعاية الفتيات بمكة المكرمة، والتابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية تتكرر، والرضا عمّا يجري داخلها مفقود، منذ أن استطاعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الوصول إليها، والاطّلاع على ما يجري داخلها، منذ أن أُتيح للصحف الاطّلاع على ذلك أيضًا، ولا شك أن الصحافة والجمعية أداتان مهمّتان للرقابة على أعمال الأجهزة الحكومية كافّة، وقد عرفت فتيات الدار حقوقهنّ المشروعة، بعد انتشار ثقافة الحقوق في مجتمعنا، فحقهنّ في المعاملة الإنسانية ليست مكرمة من المشرفين والمشرفات على دار الرعاية، وإنما هي مسؤولية لهؤلاء يجب أن يقوموا بها لهاته النساء اللاتي قادتهنّ ظروفهنّ التعسة إلى تلك الدار، والثقافة الرديئة التي لا تعتبر لمَن حُكم عليه بعقوبة لارتكابه جرمًا، أو جُنحة حقوقًا معتبرة، ولا كرامة تُصان لم يعد معترفًا به في أرجاء هذا العالم، فحتّى المجرمون بشر لهم حقوق، فإذا عوقبوا عبر قانون تطبّقه محاكم بعدل وإنصاف لم يجز لأحد أن يزيد في العقوبة ما شاء لمجرد أنه سجّان لهم، فما بالك إن كانت أنثى وقع عليها ظلم، فلجأت إلى مَن يحميها من عسف البشر، وهذه الدار تكررت الشكوى ممّا يجرى فيها، وطولبت مديرية الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة بالنظر في هذه الشكاوى مرات عدّة، وليس من المعقول أن يستمر هذا النمط من السلوك في تجاهل شكوى مستمرة منذ أكثر من سنتين، لتأتي دومًَا التصريحات من المسؤول عن الشؤون الاجتماعية في المنطقة متتابعة مبررة ومتناقضة، منها المتضمن توعّدًا بالعقاب لمَن أحدثن من نزيلات دار الرعاية الشغب الذي لا يسمّيه تمردًا، ورفض لكل مطالبهنّ، ومنها التصريح برفض ما أسماه إملاءات لتنحية موظفين وموظفات يتّهمون بسوء المعاملة للنزيلات، ومنها التصريح بأن حوادث دار الرعاية يجب ألاّ تُناقش من خلال وسائل الإعلام، بل أن تُناقش داخل أروقة الوزارة، ومن قِبل المختصين فيها، وقد سبق له في العام الماضي أن شنّ هجومًا على الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لتضمّن تقريرها ما تأخذه على إدارته من قصور في إشرافها على دار رعاية الفتيات، ثم ثنّاه بهجوم على الصحف المحلية لتناولها ذات الموضوع، رغم اعترافه بأن أغلب الدور (دور الرعاية الاجتماعية) تحتاج إلى ترميم، وإعادة تأهيل؛ لكي تتواكب مع احتياجات العصر، ورغم تأكيده على أن إدارته على علم مسبق بشكاوى نزيلات الدار، التي تتعلّق بسوء المعاملة، رغم أن الأنظمة لا تُجيز ذلك، ورغم أنه أكد أنه تم التعامل مع تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الذي رفعته للجهات المسؤولة، إلاّ أنه اعتذر عن سوء حال مبنى دار الرعاية، بأن المقاول الذي أُوكل إليه ترميم المبنى لم يتم الترميم بدعوى ظهور مستجدات في عملية الترميم، ولك أن تتساءل عن كيفية هذا التعامل، وما هي تلك المستجدات، التي حالت دون ترميم المبنى كل هذه المدة!
والغريب أن تصريحات هذا المسؤول للصحافة تتوالى، وهي في تناقض مستمر، وها هو مرة يدّعي أن وراء حادثة تذمّر نزيلات الدار تحريضًا من قِبل أخصائيتين اجتماعيتين بالدار، وممثل لإحدى الجهات، مع الرفض التام لكل مطالب النزيلات اللاتي شاركن في الاحتجاج، واعتبار فعلهنّ غوغائية، وأن شعاراتهنّ زائفة، وأن بعض النزيلات شاركن في الاحتجاج من منطلق سياسة القطيع، وما أقساه من وصف، لا يحق لهذا المسؤول -بأي حال- أن يطلقه عليهنّ، وكل مَن اشتكين من النزيلات من تصرفه، أو قسوته عليهنّ هو في نظره كفء، فمديرة الدار تلقى التقدير من الوزارة، وضابط الاتّصال كفء، وقد تعوّدنا كلّما قرأنا في الصحف، أو بلغ أسماعنا عن قصور في الخدمات التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية لمستحقيها في منطقتنا أن نقرأ تصريحًا لسعادة مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، يبرر القصور، ويجد سببًا للقصور غير متوقع، فسوء مباني دور الرعاية الاجتماعية، وكذا سوء التغذية، وكذا سوء المعاملة، والقسوة من قِبل بعض موظفي وموظفات الرعاية، كل هذه إنما هي أوهام، أو أن لها أسبابًا لا تُسأل عنها إدارته، وكم كنتُ أتمنّى لو أنه شرح لنا ما الذي قامت به إدارته منذ ظهور الشكوى من هذه الأوضاع من قبل سنوات، ولا تزال تراوح مكانها! وإنّا لنرجو أن يسفر التحقيق الذي يجري حول الحادثة الجديدة عن كشف أسبابها، والمسؤولين عنها، ومحاسبة كلِّ مَن قصّر أو أخطأ، وإعلان ذلك للجمهور حتّى يرتدعَ الآخرون. فهذا ما نرجو.. والله ولي التوفيق.
المدينة 14/2/1431هـ