دمعة حزن على الفقيد المكي رثاء وتأبين
لقد فُجع المجتمع المكي خاصة صبيحة يوم الاثنين غرة ربيع الأول 1431هـ بموت العالم والمؤرّخ المكي الكبير الأستاذ عاتق البلادي. وكانت مصيبة موته أكبر خسارة وفاجعة إذ إن موت عالم كهذا لهو من أكبر المصائب، وأفدح الخسائر. وما لنا إلاّ أن نضرع إلى العلي القدير أن يجيرنا في مصيبتنا، وأن يخلف لنا خيرًا منها، كما علّمنا رسول الهدى حبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والشيخ البلادي له من اسمه نصيب، فهو محب لبلاده، وإذا ما ذُكر هذا المؤرخ البلادي وجدته فيها من أكبر الرموز، ويقف مصاف المؤرّخين الكبار لمكة المكرمة، ولأهل الله في البلد الحرام. إنه ند للشيخ محمد علي المغربي في تاريخه، وند متأخر للشيخ حسين باسلامة في تاريخه للبلد الحرام، وند كذلك للشيخ أحمد السباعي في تاريخ مكة، ويكاد يكون قريبًا في موسوعته من موسوعة الشيخ محمد طاهر الكردي عن البلد الحرام، ويقترب البلادي من مؤرخ مكة العم جعفر لبني، رحمهم الله أجمعين، وربما يلحق بموسوعة معالي الشيخ المكي السيد الدكتور احمد زكي يماني في موسوعته عن الحرمين الشريفين، وكذلك بما يفعله ابن مكة المخلص أ.د. عبدالوهاب أبوسليمان عضو هيئة كبار العلماء في باب السلام الشهير.
والمؤرخون لمكة المكرمة كثيرون في قديم الزمان ومتأخره، كلهم أفنوا شبابهم وعمرهم في تكريم البلد الأمين في تواريخهم مثلما عمل الفاسي في تاريخه (شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) وكذلك فعل الطبريون وغيرهم، وكان آخرهم الشيخ البلادي الذي عشنا معه في موسوعته عن رجال مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري، ويؤلمنا كثيرًا ان لا نجد بعدهم مَن يسد مسدهم في الخبر المؤرخ إلاّ مَن رحم الله وقليل ما هم. ولكن املنا في الله كبير في ان يخلفنا خيرًا منهم، وأن لا ينقطع حبل المخلصين من العلماء والفقهاء والأدباء والمؤرخين الذين يحبون مكة المكرمة، ويتفانون في ذكر اخبارها واخبار رجالاتها مثل حبيبنا الدكتور عاصم حمدان، الذي خلّد الشامية بكتابه الكبير، وخلد اسم اعظم رجالات الشامية الشيخ العمدة والمؤذن الكبير المصلح الطيب عبدالله بصنوي، فجزاه الله خير الجزاء، وسأحقق في نسب (البصنوي) فيما أقوم به هذه الأيام في تحقيق مخطوط المؤرخ جعفر لبنى. (الحديث شجون من شرح قصيدة ابن زيدون).
فرحم الله فقيدنا المؤرخ البلادي، وأسبغ الله عليه شآبيب رحمته، وأسكنه الله فسيح الجنان، وألهم أهله الصبر والسلوان والعزاء.. (إنا لله وإنا إليه راجعون)، والحمدلله رب العاليمن، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المدينة ( ملحق الاربعاء ) 10/3/1431هـ