الأماكن المأثورة في مكة المكرمة 1 - 2
تأريخ الأمم في آثارها ولقد ضمت بلادنا من الآثار الإسلامية العظيمة التي لا مثيل لها في العالم أجمع خاصة أنها تجسد جوانب من مسيرة هذه الأمة المجيدة.
وفي مؤلف بالغ الأهمية قدم صاحب المعالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء في المملكة عرضا وتحليلا موثقا للآثار المتواترة بعنوان: «الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة .. عرض وتحليل»
وقد أوضح فضيلة المؤلف في المقدمة أهمية الآثار بقوله:
إن الأماكن التاريخية ذاكرة الأمم الحية، والشاهد القائم الذي لا يكذب، والدليل الناطق الباقي إذا اندثرت الأجيال.
مكة المكرمة مهد الإسلام ومبعث النور، ومنطلق خاتمة الرسالات، شرفت بولادة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، واحتضنت كبار صحابته الكرام على أرضها المباركة، شهدت عرصاتها ومرابعها ملحمة الصراع بين الحق والباطل، وزكت تربتها بالدماء الزكية، دماء الشهداء.
في كل شعب منها وزاوية وبقعة أثر خالد، ومنار مضيء يحكي قصصا من جهادهم، وأمثلة من كفاحهم، تظل وقائعه حية في نفوس الأجيال المسلمة سماعا، ومشاهدة تكتحل بها نواظرهم وتتردد على أسماعهم مآثرهم، ترسخ بها معاني الإيمان، تتقوى بها عزائمهم، وتتجدد بها هممهم لنشر العقيدة السليمة والمبادئ والقيم الصحيحة، يستنطقون من خلال السيرة والمسيرة والآثار القائمة أمجاد التاريخ الإسلامي في مراحله المبكرة ليبعث حيا في النفوس.
مكة المكرمة قد ضمت العديد الكثير من تلك الأماكن التاريخية المهمة في تاريخ الإسلام حظيت بعناية المسلمين واهتمامهم منذ العصور الإسلامية المبكرة، تأليفا، وتدوينا، توقيعا، ورواية متواترة، علميا ومحليا، فهي سجل حافل، في صفحات موثقة يتوارث معرفتها الخلف عن السلف في تسلسل تاريخي منتظم، منذ ظهور الرسالة المحمدية حتى الوقت الحاضر، حرص السلف الصالح: محدثون، وفقهاء، ومؤرخون، وأدباء منذ القرن الأول الهجري على ترسيم تلك الأماكن وتوقيعها وتحديدها تخليدا للحدث، مرتبطا بمشاهدة المكان، فللمكان إيحاءاته وإشعاعاته بقيت تراثا خالدا باقيا عبر الأجيال المتعاقبة في أمانة وصدق دون أن تمس بسوء.
إن هذا البحث يواصل تلك المسيرة التي ابتدأها سلفنا الصالح في صياغة تحليلية جديدة، فهو امتداد لتلك الجهود خصوصا أن الكثير منها قد اختفى عن الأنظار لغرض توسعة المسجد الحرام، وإعادة تخطيط المدينة المقدسة، مكة المكرمة بحسب ما جد فيها من طرق، وتزايد عدد السكان، وأعداد الحجاج الذين بلغ إحصاؤهم إلى ما يزيد على المليونين والمستقبل ينبئ بزيادات مضاعفة في السكان، والحجاج والمعتمرين.
أدى هذا وغيره إلى غياب بعض تلك الأماكن من الوجود، وحتى تظل تلك الشواهد التاريخية التي عاصرت أفضل الخلق، وأعظم أجيال الإسلام محفورة في الذاكرة – وحتى لا يصبح تاريخنا، وماضينا أسطورة مثل ما حدث لبعض الأمم السابقة – يأتي هذا البحث لرصدها، وما طرأ عليها استمرارا للتسلسل التاريخي لجزء من أهم خصائص المدرسة التاريخية المكية.
ظهرت العناية بهذه الأماكن المأثورة في مكة المكرمة عبر القرون الماضية توثيقا في مدونات متعددة كثيرة، ومن لدن جهات علمية متنوعة.
وإلى الغد لنرى بعض ما للآثار في مكة المكرمة من أهمية إسلامية وتاريخية.
عكاظ 14/3/1431هـ