الحرم للعوائل فقط!
لم يكتف الشيخ يوسف الأحمد هو ورهط من أنصاره بزيارته الاحتسابية -على حد تعبيرهم- لمعرض الكتاب ليمارس سلطة فوق السلطة، ويقوم بصلاحيات غيره، فيعترض على كتب فسحتها الجهات الرقابية المسؤولة، ويتجادل مع مذيعات ومذيعي القنوات التلفازية بحجة الاختلاط والسفور والتبرج -على حسب مقاييسهم-، فينظر للشكليات ويغمط المنجز الكبير المتمثل في تدشين معرض الكتاب الدولي وما يقام على هامشه من ندوات فكرية ومحاضرات ثقافية!
أقول لم يكتف هذا (المحتسب) -أثابه الله- بذلك، بل ظهر لنا في قناة تسمى (بداية)، ليقترح هدم المسجد الحرام وإعادة بنائه بحجة الاختلاط، وكأن مشكلاتنا انتهت ولم يبق لهؤلاء إلا مناقشة هذه المعضلة الكبرى التي ملأت البر والبحر بالفساد والفسق والفجور على حسب نظرتهم الضيقة وأفقهم المنغلق!
وبيت الله الحرام منذ عصر النبوة إلى عصرنا الحديث مرورا بخلفاء المسلمين، لم يقترح أحدهم أن يفصل بين النساء والرجال في مكان العبادة، حتى على مستوى المساجد الصغيرة لم يكن هناك ستار فاصل بين النساء والرجال، ولكننا ابتلينا في هذا العصر بفتاوى تكفيرية وأفكار شاذة تبرهن على وجود احتقان ديني، ولوثة فكرية.
تخيلوا لافتات إلكترونية تعلق على أبواب المسجد الحرام توضح فيها أيام خاصة بالنساء وأخرى للعوائل ولا عزاء للعزاب، فهم الطائفة المغضوب عليهم في المجتمع، سواء كان في السكن أو في الحدائق والأسواق والمهرجانات السياحية!
إن هذه الفئة التي تعاني من فوبيا النساء في كل مكان لا تخلو تركيبتها السيكلوجية من عقد دينية واجتماعية عميقة، وتعيش خارج السياق المجتمعي المعتدل المؤسس على الفطرة السوية التي تؤمن بالتعايش الإنساني القائم على مشاركة المرأة في البناء الوطني والتنمية البشرية!
والمشكلة ليست في الحرم، ولا في معرض الكتاب، ولا في الأسواق التي أصبح الشخص وهو برفقة عائلته يخشى الاستجواب من أي شخص ملتح يرى نفسه أنه وكيل الله في أرضه، بل في الفكر المتكلس المبني على سوء الظن بالناس وحراسة نوايا الآخرين بدعوى الإصلاح وحماية الفضيلة!
والمشكلة الكبرى أن تجد مثل هذه الدعاوى التي هي أشبه بفقاعات الصابون وبالونات الهواء، مناصرين لها في المجتمع وعلى أثير الشبكة الإلكترونية من أسماء محسوبة على التيار الديني، وآخرين يتخفون كالخفافيش بأسماء حركية.
ولكن لنا أن نتساءل ما دور المؤسسة الدينية وقيادات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيال مثل هذه الفتاوى والاقتراحات والتصرفات التي تتعدى على صلاحيتهم والتي تثير لغطا كبيرا؟.
ولماذا هذا الصمت المهيب؟، ليس لنا إلا أن نتساءل.. ويكفي!
عكاظ 5/4/1431هـ