المجاور المكي الشيخ عبد الملك آل الشيخ
قلائل هم أولئك الذين سطروا أسماءهم في التاريخ علما وخلقا وأدبا وفضلا.
قد تتعاقب المسؤوليات على بعض الأشخاص والأعلام إلا أن السيرة العطرة لبعض الأعلام تبقى شاهدة على صفحات لا تمحى.
الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ «رحمه الله» والذي تعرفت على حياته وسيرته من خلال تقص طويل لحياته التي حفلت بالتواضع والخلق النادر.
وإذا كان الشيخ عبد الملك (رحمه الله) مضى عليه القدر قبل أن يقدم لمكة باختيار من الملك عبد العزيز (رحمه الله) ليقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك فلقد مثل في زمن متقدم أنموذجا للداعية الرفيق.
وكانت مواقفه التي عثرت عليها واستمعت إلى شهود عيان تمثل مدرسة حية للحسبة في العصر الحديث.
وعلى الرغم من يتمه ووفاة والدة وعمره لا يتجاوز خمس سنوات إلا أنه ظل منذ صغره ملازما لإخوانه المشايخ والأعلام عبد الله بن إبراهيم ومحمد بن إبراهيم (رحمهم الله).
ثم التحق بحلق العلم في الرياض مثل حلقة عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف والشيخ حمد بن فارس والشيخ سعد بن عتيق وغيرهم.
وعمل في الدعوة والهيئة منذ 1364هـ حتى تم اختياره سنة 1372هـ من قبل الملك عبد العزيز (رحمه الله) مشرفا ورئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز وشملت معها المدينة المنورة والمنطقة الجنوبية الشمالية.
لقد كانت من أبرز صفاته وسماته المحمودة الفريدة قلبه وبابه المفتوح يوميا لطلبه العلم والعلماء والشعراء والأعيان.
وصار بيته مقصدا للجميع وخصوصا في موسم الحج حيث يتوافدون للسلام والاستماع في مجلسه إلى المناقشات العلمية الجادة إضافة إلى نشره وطبعه للكتب ويقوم بتوزيعها عصر كل يوم جمعة.
أثنى عليه الشيخ عبد الله البسام (رحمه الله) وقال «حمدت سيرته وأحبه الخاص والعام وصار له وجاهة كبيرة ومقام محترم عند المسؤولين».
ومما لا يعرفه البعض أنه شاعر وله قصائد قليلة منه رثائه لشيخه سعد بت عتيق (رحمه الله) ومرثيته الرائعة في الملك فيصل (رحمه الله).
وهو رابع أشقائه وأصغرهم المشايخ عبد الله ومحمد وعبد اللطيف (رحمهم الله).
ويسرد الشيخ محمد العبودي (حفظه الله) قصة لقائه بالشيخ عبدالملك وهو أول سفر للشيخ عبد الملك بالطائرة حيث غادر الرياض في محرم سنة 1372هـ على طائرة داكوتا واستغرق السفر إلى جدة حوالي ثلاث ساعات ونصف.
وكان في الطائرة الشيخ عبد الله بن حميد (رحمه الله) ومعه بعض القضاة لإنهاء القضايا القديمة المتأخرة في محاكم مكة والطائف.
لقد عاش (رحمه الله) في صفة لا تفارقه وهي الحلم وقد أكدها لي أبناؤه ومرافقوه وتلميذه الأريب النجيب الشيخ فراج العقلا (رحمه الله) وكان يعالج القضايا والمشكلات الطارئة بمزية ستر على المخطئ والنصح والوعظ برفق ولين فريد.
ومن لطائفه التي ذكرتها لي ابنته الدكتورة نورة وصاياه الدائمة بالخدم والسائقين بل كانت رفقته وشفقته عليهم تصل إلى غضبه من نهرهم وهذا منهج نبوي شريف.
لقد أحب الشيخ عبد الملك (رحمه الله) مكة وأحبته وعندما كبر أبناؤه والتحقوا بأعمال ومسؤوليات وبعضهم نقل مقر إقامته إلى الرياض حاولوا نقله إلى الرياض ليبقى قريبا من أسرته وأبنائه إلا أنه رفض رفضا قاطعا متعلقا بالبيت الحرام الذي كان يطوف به يوميا متضلعا من ماء زمزم متعلقا فؤاده بالحطيم حتى اختاره الله (سبحانه وتعالى) كما كان يتمنى بعد أن فرغ من الطواف بالبيت الحرام مغرب يوم الثلاثاء 18 محرم 1404هـ ، فصلى ركعتي الطواف وفي السجدة الأخيرة من الركعتين حيث كان يتهيأ أحد الأغوات لسقياه ماء زمزم كعادته إذا بسجدته تطول ولم يرفع منها فانتبه البعض إلى ذلك وإذا به قد فارقت روحه الحياة في أشرف موضع ومكان وأزكى عمل وهو الطواف والصلاة فكانت خاتمة حسنة أكرمه الله بها وحزن الناس لفقده، وكان قد أوصى بمكتبته لصالح مكتبة الحرم التي تحتوي على عدة آلاف من الكتب والنفائس وتوفاه الله كفافا منفقا متصدقا.
وكانت أحاديثه الإذاعية وقراءته اليومية في الإذاعة ونشاطه الدعوي دلائل على ما حباه الله إياه من رغبات في نشر الدعوة والخير بكل وسيلة.
لقد كنت آمل من الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تعقد ندوة عن أعلام الحسبة في بلادنا الذي كان على رأسهم الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ (رحمه الله) الذي ضرب أروع الأمثلة في حسن التعاون والرفق واللين في حسبته ودعوته.
رحم الله الشيخ عبد الملك فقد كانت حياته ومازالت منهلا للواردين من منهل دعوته رحمه الله.
عكاظ 9/4/1431هـ