كتبخانة: التوثيق في «موسوعة مكة المكرمة» شمل المادي والمعنوي

« كتبخانة » يكشف في هذا الحوار عن ميزات موسوعته عن غيرها، ولمحات لما اشتملت عليه، ورؤيته لإسهام الرحالة الغربيين وغيرهم في التعريف بمكة المكرمة ثقافة وحياة اجتماعية، وغير ذلك من المحاور الأخرى.

عزا الدكتور إسماعيل كتبخانة، مؤلف «موسوعة ثقافة مكة المكرمة» اختيار الحقبة التاريخية من القرن الرابع عشر الهجري وبدايات القرن الخامس عشر الهجري، لتكون المحدد الزمني لرصده وتوثيقه، لغياب الأعمال الموسوعية الشاملة في تناول ثقافة مكة ببعديها المادي والمعنوي، مشيرًا إلى أن موسوعته تتألف من (9) مجلدات، خصص كل جزء منها لموضوع أو موضوعات معينة، معددًا (6) أهداف سعى إلى تحقيقها من خلال هذه الموسوعة تتمثل في رصد التغير الاجتماعي والثقافي الحادث في المجتمع المكي خلال الفترة المحددة في الموسوعة، وحفظ التراث الاجتماعي والثقافي لأطهر بقعة على الأرض، وفتح المجال أمام الباحثين وطلاب الدراسات العليا للقيام بسلسلة متصلة من الأبحاث والقضايا المجتمعية المتعلقة بمكة، وتعميق قيمة الانتماء لأبناء المجتمع السعودي، والمساهمة العلمية، وتعزيز السياحة الدينية.. «كتبخانة» يكشف في هذا الحوار لـ»المدينة» عن ميزات موسوعته عن غيرها، ولمحات لما اشتملت عليه، ورؤيته لإسهام الرحالة الغربيين وغيرهم في التعريف بمكة المكرمة ثقافة وحياة اجتماعية، وغير ذلك من المحاور الأخرى.


«موسوعة ثقافة مكة المكرمة» إنجاز ضخم يحسب لكم.. هل من إضاءة عنه؟
موسوعة ثقافة المجتمع المكي خلال قرن ونحو نصف القرن 1300 - 1436هـ، تتناول في مجلداتها التسعة ثقافة وهوية مكة في بعديها المادي مثل: المساكن، والأسواق، والمهن، والأطعمة، والألعاب، وبعدها المعنوي غير المادي، مثل: الفنون، والأدب، والأمثال، والعادات والتقاليد المتنوعة، وغيرها، وهذه الثقافة تمثل أسلوب مجمل حياتها وتراثها الاجتماعي المتفرد، والنابع أساسًا من العقيدة الإسلامية الصحيحة، والفهم الصحيح لها. ويتكون هذا العمل الموسوعي، الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به، من تسعة مجلدات؛ اشتملت على خمسة وخمسين فصلًا احتوت على ما يلي:
- الجزء الأول، تناول الحرم الشريف، والمساجد التاريخية، والمعالم الأثرية، وانطباعات بعض الرحالة عن مكة أثناء زيارتهم لها.
- الجزء الثاني تناول حارات مكة وبيوتها.
- الجزء الثالث تناول الأسواق، والمهن التقليدية، وخاصة مهنتي الطوافة والزمازمة.
- الجزء الرابع شمل: مظاهر وعادات وتقاليد مكية عديدة.
- الجزء الخامس تحدث عن التعليم التقليدي والحديث، والمكتبات العريقة.
- الجزء السادس تحدث عن الأبعاد الثقافية والإعلامية، والإسهامات العلمية
- الجزء السابع تناول الأدب بأنواعه في المقال والشعر والقصة، وكذلك تناول الأمثال والفنون الشعبية التي تميزت بها مكة المكرمة.
- الجزء الثامن استعرض التنظيمات للقطاعات الحكومية والأهلية والخيرية.
- الجزء التاسع طرح مفردات ومصطلحات مهمة ذكرت ضمن المجلدات السابقة.


ما هي الأهداف التي سعت الموسوعة إلى تحقيقها.. وما الذي يميزها عن غيرها؟
- حتى يكون هذا العمل الموسوعي سائرًا وفق رؤية ومنهجية علمية سليمة؛ فقد طرحنا عدة أهداف رجونا أن يتم تحقيقها وهي:
1.رصد التغير الاجتماعي والثقافي الحادث في المجتمع المكي خلال قرنين من الزمان (الرابع عشر والخامس عشر الهجريين).
2. حفظ التراث الاجتماعي والثقافي لأطهر بقعة على الأرض (مكة المكرمة) ونقله من جيل إلى آخر، ومنعه من الاندثار.
3. فتح المجال أمام الباحثين وطلاب الدراسات العليا للقيام بسلسلة متصلة من الأبحاث والقضايا المجتمعية المتعلقة بالمكان المقدس - مكة المكرمة.
4. تعميق قيمة الانتماء لأبناء المجتمع السعودي، وذلك من خلال تبصيرهم بتاريخ مجتمعهم وثقافته، وأنه مجتمع يضم أطهر بقاع الأرض.
5. المساهمة العلمية للموسوعة من خلال تقديمها لجوانب دينية وتاريخية وثقافية واجتماعية لمدينة مكة المكرمة، وهذ بدوره سوف يجذب ويرفع مستوى الإدراك لدى مئات الملايين من المسلمين في أنحاء العالم قاطبة عنها.
6. تعزيز السياحة الدينية من خلال عرض تاريخي اجتماعي وبأساليب متعددة (ورقية وصوتية وصور) للعديد من المواقع الإسلامية الهامة التي تجذب ويشتاق إليها كافة المسلمين من كل بقاع الأرض للتعرف عليها.

أما مميزات الموسوعة هذه؛ فهي تعتبر من المراجع الهامة للتعرف على ثقافة مدينة مكة المكرمة المتميزة في كل جوانبها الأساسية، تلك الثقافة التي تمثل أسلوب مجمل حياتها وثراثها الاجتماعي المتفرد، والنابع من العقيدة الإسلامية الصحيحة.

وتتناول الموسوعة حقبة من الزمن لم تبحث بشكل متعمق في كافة أبعاد الثقافة المكية الأصيلة. وتشمل عددًا كبيرًا من الصور القديمة والحديثة؛ تشمل تراث ومظاهر العمران، والحضارة بمكة المكرمة. واعتماد هذه الموسوعة على الكثير من المصادر والمراجع الهامة، وعلى بيانات ومعلومات تم الحصول عليها من لقاءات مكثفة مع العديد من رجالات مكة المكرمة وخاصة الكبار منهم. وأخيرًا فإن موسوعة ثقافة مكة المكرمة يمكن أن يستفيد منها العديد من الجهات، أبرزها: المراكز البحثية، والمكتبات الجامعية والعامة، والأكاديميون، والباحثون، وطلاب الدراسات العليا المهتمون بدراسات المجتمع السعودي، وأيضًا الأدباء والمثقفون، ورجالات الفكر، والحجاج والمعتمرون وزوار بيت الله الحرام، وغيرهم.


لماذا تم اختيار هذه الحقبة التاريخية تحديدًا وهي القرن الرابع عشر الهجري وبدايات القرن الخامس عشر الهجري؟

يعود السبب لهذا الاختيار لأدراكي أن هذه الحقبة التاريجية لم تظهر فيها أعمال موسوعية شاملة كافية تتناول ثقافة مكة المميزة في أبعادها المادية والمعنوية، وعليه بتوفيق من الله عزّ وجلّ، وبحكم أن موضوع الثقافة (Culture) يدخل ضمن تخصصي في مجال علم الاجتماع، كما أنني من أبناء مكة المكرمة، عقدت العزم والبحث والتقصي لإنجاز هذا العمل المبارك، عن أشرف بقعة على ظهر هذه الأرض، ولسنوات عديدة، حتى ظهر هذا العمل إلى النور، والحمد لله. وأود أن أشير إلى أن هناك عملًا كبيرًا مباركًا ينجز على مراحل، وقد انتهى منه العديد من المجلدات وهو «موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة»، والذي تعده مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، وسيكون له نفع لإبراز الكثير عن تاريخ وحضارة مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومكة شرّفها الله ما زالت تحتاج الكثير والكثير من إجراء البحوث والدراسات عنها، وفيها الكثير من اللالئ والجواهر التي يجب أن تبرز للعالم الإسلامي وغيره، ومن زوايا متعددة.


أي أثر للرحالة عمومًا والغربيين خصوصًا في التعريف بثقافة مكة المكرمة والحياة الاجتماعية فيها، وما الذي يميز رحالاتهم عن غيرها من الرحلات ومن هم أبرز الرحالة الذين قدموا انطباعات جميلة عن مكة؟

 نلاحظ أن مدينة مكة المكرمة -شرّفها الله- قد حظيت بتدوين انطباعات الكثير من الحجاج والزوار، وقد قدّموا وصفًا لسكانها وأبنيتها وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والشيء المميز هو اختلاف جنسيات هؤلاء الرحالة الحجاج أو الزوار، فهم يمثلون شتى أقطار العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ولقد شكلت كتابات هؤلاء الرحالة مصدرًا أساسيًا من المصادر التاريخية والاجتماعية الهامة، ومادة علمية غزيرة ساعدت الباحثين في التعرف على جوانب كثيرة من الأماكن التي زاروها في مدينة مكة المكرمة. ويمكن أن أقدم بعض المزايا لهذه الرحلات المتعددة من خلال دراسة وتحليل أهم كتبهم ومقالاتهم وهي:
- أنها تحمل عبق الشوق إلى المجئ إلى هذه الأرض الطاهرة، وأداء النسك والشعائر الدينية، وهو أكبر حلم إيماني عقدي يسعون إليه.
- رصدت هذه المؤلفات للعديد من الذكريات المتعددة، وما عايشه كتاب الرحلات في طريقهم إلى مكة من بعض المشكلات والصعاب.
- بيان الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في الحجاز عمومًا.
- تبرز بعض هذه الكتب التواصل مع علماء مكة المكرمة في المسجد الحرام للاستفادة من علومهم الدينية والأدبية وغيرها.

ومن أشهر الرحالة الذين قدموا إلى مكة المكرمة، وقاموا بتسجيل انطباعاتهم عنها:
- محمد السنوسي التونسي عام 1300هـ.
- كرستيان سنوك الهولندي الجنسية عام 1301هـ، والذي ألف كتابًا موسعًا عن رحلته بعنوان «صفحات من تاريخ مكة المكرمة».
- جرافيه كورتلمون، الفرنسي الجنسية سنة 1301هـ والتي كتب عن رحلته في كتابه «رحلتي إلى مكة».
- اللواء إبراهيم رفعت باشا، الذي سجل انطباعاته عن مكة في كتابه «مرآة الحرمين».
- محمد لبيب البتنوني، المصري الجنسية، والذي ألّف كتابًا قيمًا عن رحلته بعنوان «الرحلة الحجازية».
- كوتاروبا موكا، ياباني الجنسية، قام برحلته إلى الحج سنة 1327هـ، وقد ألّف كتابًا عنها بعنوان «الرحلة إلى الجزيرة العربية أرض العالم العجيبة».
- رحلة محمد أسد، النمساوي الجنسية سنة 1346هـ، والتي وصفها في كتابه «الطريق إلى مكة»، الذي ترجم إلى لغات عديدة.
- الأمير شكيب أرسلان، الذي وصف رحلته للحج ومكة المكرمة ومختلف جوانب الحياة فيها في كتاب بعنوان «الارتسمات اللطاف».
- رحلة عائشة بنت عبدالرحمن (بنت الشاطئ)، والتي قامت بتسجيل خواطر وذكريات رحلتها المباركة لأداء العمرة سنة 1370هـ في كتابها «أرض المعجزات».
- رحلة مالكوم اكس، الأمريكي الجنسية سنة 1383هـ.
- رحلة سونيا ميللر، البريطانية الجنسية سنة 1391هـ.
وغيرهم كثير لا يسمح الحديث عنها هنا.


وفقًا لهذه الموسوعة ما هي أبرز مكونات وخصائص الهوية الحضارية لمكة المكرمة.. وكيف تتم الحفاظ عليها؟

أبرز مكونات الثقافة المكية هي أنها ثقافة مميزة؛ فيها النبع الأول والصافي للإسلام والعقيدة الصحيحة، وقد تأثرت بشكل كبير بنزول الوحي الإلهي فيها على سيدنا محمّد، عليه أفضل الصلاة والسلام. كما أن من أبرز خصائص هذه الثقافة أنها ثقافة متنوعة ومنفتحة ومتسامحة، وتؤمن بحتمية التنوع وقدسية التعايش، لتنوع أطياف ساكنيها، وقد ترتب على ذلك تكوين نسيج واحد متماسك ضمن بوتقة واحدة، وهوية واحدة، وقيم وعادات وتقاليد واحدة، يسود بينهم الحب والاحترام المتبادل.


ما هي الصعوبات التي واجهتك في إنجاز هذا العمل الموسوعي الكبير؟

الحمد لله؛ فبتوفيق منه عزّ وجلّ قد أنجزنا هذا العمل الموسوعي عن أطهر بقعة على الأرض، وقد واجهتنا بعض الصعوبات في إنجازه ومنها:
- قلة المصادر والمراجع التي تتناول بعض جوانب ثقافة المجتمعات الإنسانية، وخاصة فيما يتصل بالعادات والتقاليد والقيم المجتمعية، وكذلك عن المهن والحرف التقليدية.

- صعوبة إيجاد الإخباريين من كبار السن، من ذوي الذاكرة اليقظة السليمة والخبرة الكافية بتراث المجتمع الإنساني، بهدف الحصول على المعلومات الوافية من أفواهم؛ تلك المعلومات التي قد لا تكون متاحة في المصادر والمراجع المطبوعة.


هل نتوقع إضافة جديدة عن ثقافة مكة في طبعات أخرى للموسوعة؟

نعم؛ أتوقع أن أقوم بعمل إضافات لهذه الموسوعة في طبعاتها القادمة، وكما نعلم أن أي عمل موسوعي يتطلب دائمًا عمل إضافات وتنقيحات، وأنا أطلب بإلحاح من الباحثين والمفكرين ورجالات مكة المكرمة الأوفياء أن يقدموا لنا أي مقترحات وأفكار نيرة تهدف إلى الارتقاء بهذا العمل الموسوعي.

الموسوعة في أرقام

عدد مجلدات الموسوعة (9) مجلدات
عدد فصول الموسوعة (55) فصلاً.
عدد صفحات الموسوعة (2910) صفحات.
عدد المصادر والمراجع للموسوعة (603) مرجعاً.
عدد المواقع الإلكترونية التي تم الاستعانة بها(133) موقعاً.
عدد الصور المنشورة في كافة أجزاء الموسوعة (5500) صورة.
عدد المفردات والمصطلحات التي تم تعريفها في الجزء الأخير من الموسوعة (796).
الحارات القديمة التي تم تناولها في الموسوعة (13) حارة.
العوائل التي تم ذكرها في الموسوعة والتي سكنت حارات مكة القديمة (2900) عائلة.
العلماء بالمسجد الحرام والذين تم ذكرهم في الموسوعة (141) عالماً.
أئمة وخطباء المسجد الحرام والذين تم ذكرهم الموسوعة (41) إماماً وخطيباً.
المؤذنون في المسجد الحرام والذين تم ذكرهم الموسوعة (47) مؤذناً.
المساجد التاريخية التي تم ذكرها في الموسوعة (23) مسجداً.
الرحالة الذين تم ذكرهم في الموسوعة (36) رحالاً.
التنظيمات الإدارية الهامة التي تم ذكرها في الموسوعة (12) تنظيماً.
المطوفون والزمازمة والوكلاء الموحدون والأدلاء والذين تم ذكرهم (600).
المهن التقليدية التي تم التحدث عنها في الموسوعة (38) مهنة.
رجال الأعمال من التجار والصناع وغيرهم الذين تم ذكرهم في الموسوعة (300).
المأذونون الشرعيون لعقد الأنكحة الذين تم ذكرهم في الموسوعة (186) مأذوناً
المدارس التي تأسست خلال القرن الرابع عشر الهجري التي تم تناولها (42) مدرسة.
مؤلفات وبحوث أعدها رجالات مكة وتم ذكرها في الموسوعة (1100) مؤلفا وبحثاً.