حقائق عن حدود الحرم.. مدير مركز تاريخ مكة يكشف تفاصيلها التاريخية
" 1104 أعلام فوق رؤوس الجبال.. هذه روايات إقامتها وحدودها .. "
"بداية حد الحرم".. أعلام محيطة بمداخل الحرم المكي الشريف.. مَن وضعها؟ كم عددها؟ ما تاريخها؟.. الكثير من التفاصيل يكشفها الدكتور فواز علي بن جنيدب الدهاس، المدير العام لمركز تاريخ مكة المكرمة بدارة الملك عبدالعزيز أستاذ تاريخ مكة المكرمة والجزيرة العربية بجامعة أم القرى.
بداية، زودنا الدكتور "الدهاس" بصور لهذه الأعلام نقلاً من كتاب أعلام وحدود الحرم المكي الشريف للدكتور سعود الثبيتي والدكتور خضران الثبيتي.
وحسب "الدهاس"، يقول مؤرخو مكة إن حدود الحرم وُضعت منذ أيام النبي آدم - عليه السلام - لأنه خاف على نفسه من الشياطين؛ فاستعاذ بالله؛ فأرسل الله الملائكة، حفوا بمكة من كل جانب. وهناك رواية أخرى تقول إن إبراهيم - عليه السلام - عندما أراد بناء البيت أمر الله الملائكةَ بأن تقف على هذه الأعلام حتى لا تدخل الشياطين والجن إلى مكة حتى اكتمل بناء الكعبة.
وقال إن هناك رواية ثالثة - وأميل إليها – تقول إن إبراهيم الخليل - عليه السلام - عندما قدم مكة بزوجته وابنه إسماعيل عليه السلام، ودعا لهما {ربنا وأرنا مناسكنا}، نزل إليه جبريل عليه السلام، فذهب به، فأراه المناسك كلها، وأوقفه على حدود الحرم، فكان جبريل يشير إليه بالمواقع، وإبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام، ويذر عليها التراب. وأعلام مكة هي 1104 أعلام على رؤوس الجبال.
وأضاف "الدهاس": وفي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمت قريش أنه يهتم بحدود الحرم، وأرادت قريش أن تؤذي رسول الله، فنزعت قريش حدود الحرم كلها - أو ما قدرت عليه على رؤوس الجبال - فاشتد على المصطفى ذلك، فجاءه جبريل، وقال له "يا محمد، هل اشتد عليك أن نزعت قريش أنصاب الحرم؟". فقال: "نعم". فقال جبريل: "أما إنهم سيعيدونها إلى أماكنها". فقال النبي الكريم: "هل سيعيدونها إلى أماكنها الصحيحة؟". فقال جبريل: "والله لن يضعوا حجرًا إلا بيد ملك". فأُعيدت، وجاء جبريل إلى النبي مبشرًا، وقال: "يا محمد، قد أُعيدت إلى مكانها".
وتابع: الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو أول من جدَّد هذه الأعلام. وقد كلف بها تميم بن أسد الخزاعي - رضي الله عنه -، ثم توالى الخلفاء الراشدون وبنو أمية والعباسيون وسلاطين المسلمين وصولاً للدولة السعودية.
وبيَّن الدكتور "الدهاس" أن مكة تقع في قلب ووسط الأرض، ثم إن وادي إبراهيم يشق مكة من الشمال للجنوب، ويقسّمها قسمين، من الشرق جبال، ومن الغرب جبال، ومكة هي شكل بيضاوي من الشمال للجنوب، أطول منها من الشرق إلى الغرب.
وأضاف: كانت الأنصاب 1104 على رؤوس الجبال. الجزء الشمالي لمكة من الشرائع حتى التنعيم 650 علمًا، وهذا هو الحد الذي شاركتُ فيه أنا شخصيًّا قبل قرابة 20 عامًا في لجنة تحديد حدود الحرم، وكان برفقتي فضيلة الشيخ سعود بن مسعد الثبيتي. وكان وضع الأعلام على رؤوس الجبال آية من الآيات؛ إذ لا يبعد العلم عن الآخر إلا أمتارًا معدودة. وتختلف المسافات بناء على التضاريس. وكانت الحجارة مبنية ومرضومة بعضها فوق بعض بشكل مربع تقريبًا، وهي لم توضع اعتباطًا؛ فكل عَلم بُني على نقطة معروفة عند الجغرافيين، تسمى نقطة تقسيم المياه، وهي أنك إذا صببت الماء في هذه النقطة على الجبل يسيح، إما يمينًا أو يسارًا، فما سال يسارًا فهو في الحرم، وما سال يمينا فهو في الحل، وإذا انحرف العلم يمينًا أو يسارًا فيُبنى على شكل زاوية؛ ليشير للعلم الذي بعده. والحجارة التي بُنيت بها ليست من حجارة الجبال نفسها، وتختلف عن أحجار الجبال نفسها، وهي المعجزة الأخرى.
وأوضح أن الحد الجنوبي من جهة طريق يلملم فيه 299 عَلمًا، والحد الغربي من التنعيم إلى الشميسي (الحديبية) فيه 38 عَلمًا، والشرقي جهة الشرائع 117 عًلمًا، وفيما بعد استطاعوا عمل الحدود على الأرض.
وبدأت المرحلة في الدولة السعودية بعَلمَين في عهد الملك عبدالعزيز على طريق جدة القديم. وفي عام 1376هـ في عهد الملك سعود بُني عَلمان جديدان على طريق الطائف - السيل في الشرائع الآن. وفي عهد الملك خالد بُني 4 أعلام، اثنان على طريق الطائف من جهة عرفة – الهدا، واثنان على طريق جدة القديم. وفي عام 1404 هـ في عهد الملك فهد عُمل عَلمان على طريق جهة التنعيم، وزاد 14 عَلمًا في عام 1423 هـ على مداخل مكة الرئيسية (اثنان متقابلان من جهة التنعيم - طريق المدينة، وعلمان متقابلان بطريق مكة - جدة السريع، وعلمان متقابلان على مدخل مكة جهة الليث، وعلمان متقابلان جهة طريق اليمن القديم، وعلمان متقابلان من طريق الحسينية – العوالي، وعلمان آخران طريق الطائف – الهدا، وعلمان متقابلان على طريق الطائف – مكة - السيل السريع). وفي عهد الملك عبدالله - رحمهم الله جميعًا - وُضعت أعلام على شكل دائري بجوار الأولى على طريق جدة السريع.
وقال المدير العام لمركز تاريخ مكة المكرمة: أرى بوصفي مؤرخًا أن تُسند تصاميم هذه الأعلام لمتخصصين في التاريخ والعمارة الإسلامية، ويا حبذا لو تنشأ هذه الأعلام على مداخل مكة على شكل مآذن المسجد الحرام؛ فسيكون ذلك أجمل وأوقع في النفس، وذا دلالة وارتباط إسلامي.