هل كان الحجاج طاغية دموي أم حاكم عادل؟

هل كان الحجاج طاغية دموي أم حاكم عادل؟

خالد محمد الحسيني

حرصت على اقتناء كتاب (الحجاج بن يوسف الثقفي بين شبهات باطلة ومناقب فاضلة) فور علمي بنزوله للسوق والذي ألفه الأخ عبدالله الحصين الثقفي. الكتاب من ٥٦٥ صفحة، طباعة جيدة، وإن كُتب ببنط لا يُساعد على سرعة القراءة.

مرد حرصي هو ما عرفناه عن "الحجاج" منذ أن كنا في المرحلة المتوسطة قبل أكثر من نصف قرن وما جسدته القصص والمسلسلات التلفزيونية وأحاديث المجالس حتى ذهبت سيرته مرتبطة بالعنف والموت، دون أن نجد من يوضّح أو يعترض حتى "وُسم" بأنه شخص دموي لا يعرف إلا القتل والقسوة والتنكيل وغير هذا من الصفات التي ربما شخصيًا لم أجد أنها اجتمعت في شخص غيره.

حتى أكون صادقًا مع القارئ؛ لم اقرأ كل صفحات الكتاب، لكن كُنت احرص على معرفة حقيقة ما يتردد عن الحجاج حول ضرب الكعبة وقتل عبدالله بن الزبير رضى الله عنه وصلبه والإساءة لوالدته السيدة أسماء ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وقتله لسعيد بن جبير وإساءته للصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا ما كنت أبحث عنه من آلاف القصص والروايات التي لا تخفى عن الناس وما يقال عن الحجاج، لعظم الخطب أن تكون خاتمة من ذكرت على يد الحجاج، لذلك رجعت لفهرس الكتاب الذي احتوى العديد من الصفحات واخترت ما يتعلق ببحثي عن من ذكرت.

قبل الحديث عن الكتاب كنت أتمنى من الأخ المؤلف أن يهتم بالتسلسل التاريخي في النشر ويورد ما ذكره حسب أقدمية الحدث لأنني وجدت أن هناك أحداثًا نشرت في صفحات في بداية الكتاب ثم نشر بعدها ما هو أقدم منها مما يوقع القارئ في عدم الربط وربما اهتمام المؤلف بسرعة إخراج الكتاب كان خلف هذا الأمر.

أقول أن المؤلف نجح في جمع العديد من القصص والأحداث والأقوال عن الحجاج وأشار إلى مصادرها، وحسب بحثه وتوفر الأمانة فيه وجدت أنه أورد أسبابًا لمقتل ابن الزبير وابن جبير الذي قال عنه أنه أنكر البيعة ثلاث مرات وأن الإمام الذهبي نفى صحة الرواية وما قيل عن ما حصل مع أنس بن مالك، وذكر أسبابها مؤيدًا ذلك بمصادر لهذه الأحداث وقال أن الحجاج عمّر الكعبة ولم يهدمها كما قيل، وعشرات القصص التي أدانت الحجاج، بل أنه نفى صحة بعضها بالنص الذي يتداوله الناس وأنكر حدوث الآخر، وقد اعتبرت أنه يعلم بأن ما أورده سيكون بين أيدي الناس وسيجد من يرد عليه بالتأييد أو بعدم القبول وهو أمر أثق أنه لم يخفى عليه.

حتى لا أطيل على القارئ بإيراد المؤلف ورده للشبهات التي قيلت عن الحجاج لأنها تحتاج حسب ما قاله في كتابه لصفحات يلزم لأمانة المقال إيرادها غير منقوصة وبالنص وهو الأمر الذي ربما لا يراه أكثر القراء مناسبًا، فقد أورد تفاصيل واستشهادات عدة ترد على ما التصق بالحجاج من صفات ومساوئ جعلته في أعين الناس الرجل الذي لا ترتبط به أي معلومة أو قصة فيها رحمة أو أناة أو صفة حسنة والذي بدأ حياته بخطبته الشهيرة في الكوفة كما يعلم بها وبتفاصيلها كل من قرأ عن الحجاج وحسب المتداول وقد أشار إليها في كتابه وما نشر عنها، واشتهرت بين الناس بل تستعمل عند الإشارة عن قسوة الحاكم وجبروته وصلفه.

تمنيت من المؤلف كما تضمن كتابه رد الشبهات عن الحجاج لو ضمّن كتابه تأييدًا لأقوال وقصص عن الحجاج تدينه حتى يثبت ميزان العدل لأن الحجاج إنسان ولا يمكن ضمن تاريخه الطويل عدم الوقوع في أمر تجاوز فيه أو ظهرت فيه قسوته وحتى يتقبل القارئ ويعيد الرأي اعتمادًا على ما قرأه بأن الحجاج (ظُلم) ولم ينصفه الناس.

إنني أتمنى أن يعمل الأخ عبدالله الثقفي على تحويل كتابه إلى "نسخة الكترونية" ليكون في متناول من يريده لأهمية شخصية الحجاج، لعل الكتاب لا يتيسر لمن أراده.

رحم الله الحجاج وهو أعلم بكل ما فعله إن خيرًا أو غيره، شاكرًا للمؤلف هذا الجهد الذي أعرف أنه غيرة على الحجاج وضعها بين أيدي الناس ومن حقهم أن يقولوا ما يؤيد أو يرد عما كتبه.

أختم بأنني في حيرة من أمري لأن القصة قديمة وسكنت في كل من قرأ أو سمع عن الحجاج، ولا زالت الحقائق حول سيرته محل جدل.

تربوي وإعلامي