ليس للمكي عمرة
يهل علينا رمضان مع الإجازة مما يعني فرصة أكبر للتوجه إلى مكة المكرمة ورغم التوسعة إلا أنها توسعة محكومة بجغرافية المكان. وتصر الأغلبية على تكرار العمرة في اليوم الواحد رغم اتفاق العلماء على عدم مشروعية التكرار يقول ابن تيمية (26/264) إن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار فالاعتمار بدعة لم يفعله السلف ولم يؤمر به في الإسلام ولا قام دليل شرعي على استحبابها وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة. وعلى هذا أجمع الفقهاء وقالوا في أن ما زاد على المرة ليس بواجب. فرسول الله وصحابته لم يعتمروا إلا عمرة واحدة، ورد في المجموع(7/9)والمغني(5/13) وبداية المجتهد(1/375)أن العمرة واجبة على المسلم مرة واحدة في العمر لقوله تعالى:(وأتموا الحج والعمرة)
ومقتضى الأمر الوجوب وهي معطوفة على الحج والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه. وفي الأم للشافعي (7/9)أنها واجبة في العمر مرة واحدة. وفي مغني المحتاج الشربيني (1/460)إن الحج والعمرة فيما زاد عن المرة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين يتساوى في ذلك المكي وغيره، وللحنفية في تبين الحقائق(2/83)أنها سنة مؤكدة وليس بفرض اتفق معهم المالكية في ذلك. وقد فرق ابن تيمية(26/45)بين الأفاقي وأهل مكة فأوجبها على الأفاقي ولم يوجبها على المكي وقال أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم مع وجوبها على غيرهم،
أما المكي فليس عليه عمرة أصلا. ولنا أن نتخيل لو امتنع أهل مكة عن العمرة مقتنعين بأنها ليست واجبة أصلا في حقهم لساهموا في تخفيف الزحام وأفسحوا المجال للقادمين من خارج البلاد. فالعمرة أصلا ليست واجبة على المسلم لقوله عليه السلام عندما سأله جابر:(هل العمرة واجبة قال: لا وأن تعتمر فهو أفضل)، وفي المصنف لابن أبي شيبة(4/88) عن عطاء قال ليس على أهل مكة عمرة إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به وأهل مكة يطوفون متى شاءوا. وعن عطاء أنه قال ليس على أهل مكة عمرة ويعلق ابن تيمية(26/259)أنه لو كان أهل مكة يعتمرون على عهد رسول الله ويؤمرون بذلك لم يكن خافيا على ابن عباس إمام أهل مكة وأعلم الأمة في المناسك وكذلك عطاء إمام الناس كلهم في المناسك إن الإكثار من الطواف وقت الزحام أو تكراره أمر غير مستحب لأنه يؤدي إلى الضرر خاصة مع إنفلونزا الخنازير والعدوى. ورد في الرد المختار(2/502) أن الصلاة نافلة في زمن الموسم أفضل من الطواف في حق المكي لأجل التوسعة على الغرباء.
وقد أفتى ابن عثيمين أنه في الموسم لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الطواف وخير أسوة لنا رسول الله فإنه في حجته لم يطف إلا طواف النسك فقط ليعلم منه أن الأحق أحق فالطائفون الذين قدموا للنسك أحق من الذين يطوفون تطوعا. لذلك ينبغي للإنسان إذا رأى المطاف مزدحما أن يشتغل بالصلاة والقرآن فذلك خير له لأن الشرع ليس بالعاطفة مضيفا رحمة الله في فتاوى الحرم المكي 1407هـ (إن تكرار العمرة كما يفعل الجهال هذا هو الخطأ. بعض الناس وهو بمكة يعتمر في أول النهار ويعتمر آخره بل قد شاهدت رجلا اعتمر وحلق نصف رأسه وأبقى النصف الآخر فسألته لما فعلت هذا فقال هذا الذي حلقته عن عمرة الأمس والباقي لعمرة اليوم مضيفا لقد بقي الرسول في مكة تسعة عشر يوما ولم يخرج ليعتمر فهل النبي عليه السلام يجهل أنه مشروع ؟ كلا أو هل عند رسول الله تهاون في ترك الأمر الفاضل؟ حاشاه فلم يخرج للتنعيم للاعتمار، إذن تكرار العمرة خلاف السنة، ولابن تيمية أدلة على عدم مشروعية عمرة المكي فالخروج للحل للإحرام بعمرة لم يفعله أحد على عهد رسول الله ولا الصحابة في حجة الوداع وما بعدها فلم يخرجوا إلى التنعيم ولا إلى الجعرانة، ولم يعتمر أحد منهم بعد فتح مكة فأهالي مكة يطوفون دون اعتمار وهو الأفضل فعن طاووس قال: الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون قيل فلم يعذبون قال لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال وإلا أن يجيء من أربعة أميال يكون قد طاف مائتي طواف وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي من غير شيء. واليوم تتكدس السيارات ويتزاحم البشر وتنغلق الطرقات من التنعيم إلى الحرم ويقضي المعتمر ساعات طويلة في سيارته ساخطا ناقما شدة الزحام وحرارة الجو من الأفضل له أن يقضيها في الطواف وقراءة القرآن بدلا العمرة،
ولابن تيمية الفتاوى أن عائشة قالت:(لأن أصوم ثلاثة أو أتصدق على عشرة مساكين أحب إلي أن أعتمر العمرة التي اعتمرت من التنعيم)، وبما أن رسولنا الكريم عندما قدم مكة في رمضان لم يعتمر ولا صحابته وفي هذا دلالة على خطأ ما نقوم به الآن من سباق محموم للعمرة أفرادا وزرافات فلنكن عونا لولي الأمر وأجهزته للتخفيف من الزحام. وما أكثر الطاعات غير العمرة خاصة للمرأة وهي برفقة سائق أجنبي مصرة على أدائها تتباهى أمام الناس بعدد عمراتها، وكأن الصوم لا يتم إلا بتكرارها.
عكاظ 27/8/1430هـ