رسالة مفتوحة إلى الأمير خالد الفيصل

صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل يحفظه الله
أمير منطقة مكة المكرمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
أكتب هذه الرسالة المفتوحة إلى سموكم الكريم بأمل أن تطلعوا عليها بنفس الروح التي كتبت بها وهي روح مواطن من رعاياكم يحب مدينة جدة ويألم لألمها.

لقد شرفكم الله بتعيينكم أميراً لمنطقة مكة المكرمة التي هي أطهر وأقدس، وأشرف بقعة على وجه الأرض. وكان والدكم الراحل العظيم الملك فيصل بن عبدالعزيز - يرحمه الله - يحب هذه البقعة الكريمة حباً جماً. ولقد ترك الملك فيصل - يرحمه الله - آثاراً خالدة في المدينة تحمل عبقه الطيب وذكراه الكريمة منها على سبيل المثال منظمة المؤتمر الاسلامي، والبنك الاسلامي للتنمية وغيرها من مؤسسات قصد بها دعم التضامن الاسلامي وخدمة الاسلام والمسلمين. ونحن أيضاً نتوقع منكم، وأنت ابن هذا الملك العظيم، أن تتركوا آثاراً في مدينة جدة بوابة الحرمين الشريفين تكتب اسمكم في سجل الخالدين. وليس أقل هذه الآثار أن تكون مدينتنا جميلة، ومنظمة تقوم فيها الدوائر الحكومية بخدمة السكان من مواطنين وأجانب وزوار. ولا أخفيكم أن سكان جدة والمناطق المحيطة بها قد أصابهم الحزن، والغبن، والاحباط وهم يعيشون في ألم شديد.

ولا شك أنكم تدركون أنه من الصعب والمؤلم على أي انسان في الدنيا أن يرى أحد أفراد أسرته يغرق ويختفي أمام ناظريه. وكيف يمكن أن نشرح هذا الفقد للأيتام والأرامل؟ ماذا نقول للذين فقدوا أبناءهم، وبناتهم، واخوانهم، وأخواتهم، وزوجاتهم، وأزواجهم؟ ماذا نقول للأسر التي لا يزال بعض أفرادها في عداد المفقودين؟ ماذا يمكن أن نقول عن المطر الذي ينزله الله رحمة للعالمين ويتحول عندنا الى كوارث وفواجع؟

وتعودنا، نحن في جدة، على مدى سنوات طويلة أن نرمي باللوم في رزايانا على كل شيء ما عدا أنفسنا. وكنا في غفلة كاملة عن كل ما يجري. لقد شعرنا بفخر شديد ونحن نطلق على مدينتنا اسم «عروس البحر الأحمر»، لكن من غير أن نفعل أي شيء يجعلها تستحق هذه التسمية. واصبحنا نلبس البشوت ونبتسم للصورة علها تطلع جميلة نحب أن يرانا الناس هنا وهناك ونحن فرسان الحفلات والمناسبات الاجتماعية في الصحف!!. ونحن في غفلتنا عما يجري، كنا نتسابق لإقامة الحفلات وازجاء التهاني كل ما يتم تعيين أمين أو مسؤول كبير. والحق يقال انك كنت استثناء وأنت ترفض اقامة حفلات التكريم لكم بمناسبة تعيينكم في هذا المنصب الذي أنت أهل له.

لقد كنا في غفلة ونحن نرفل في كل أنواع النفاق الاجتماعي غير مدركين أو متناسين أو غير معنيين بالأخطار التي كانت تنمو وتترعرع في مدينتنا وحولها.

صاحب السمو الملكي:
إن السيول قد كشفت التقصير وعرّت قلة الحيلة وفضحت حجم الفساد، و الطمع، والواسطة، واللامبالاة الموجود في بعض الدوائر والمؤسسات ونحن في الاعلام - للأسف الشديد - التزمنا الصمت مثلنا مثل الآخرين لكن أحسب أننا استيقظنا على ردة فعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحاسمة تجاه المأساة والتي كانت بمثابة نداء استيقاظ لنا جميعاً. وأدخل الملك - يحفظه الله - كلمتين جديدتين في القاموس السعودي هما: الشفافية والمحاسبة.

وعلى ضوء هذا، فإن الجميع ينتظر أن تعلن الحقائق كاملة وأن يكون ما توصلت اليه لجنة تقصي التحقيق معروفاً لولاة الأمر وللشعب على غرار أعمال لجنة الحقيقة في جنوب أفريقيا وتقرير وارين في الولايات المتحدة والورقة البيضاء في بريطانيا. ومثلما كانت كلمات الملك عبدالله بلسماً شافياً للشعب، فتقرير لجنة التحقيق نأمل أن يكون ترياقاً لكل ضحايا كارثة السيول والفيضانات وحتى لأولئك الذين لم يتأثروا بها مباشرة حتى لا يظن الذين خرقوا القوانين والنواميس الأخلاقية واستباحوا الأنظمة من أجل مصالحهم الشخصية أنهم أبطال أو أنهم الجانب المنتصر في الكارثة. وبالمقابل فإننا على ثقة بأنه لن يدان الأبرياء ولن يكونوا كبوش فداء.

بعد هذا، دعني يا صاحب السمو الملكي، أن أتطلع الى المستقبل. وقبل أن تشرئب أعناقنا الى الغد، فلنعترف بحقيقة هامة هي أن شركاتنا المحلية قد فشلت (لأي سبب من الأسباب) في أن تقدم للمواطنين مشاريع ذات جودة عالية. كما أن بعض الادارات الحكومية والمؤسسات الخاصة فشلت في الارتفاع الى مستوى الحدث. هذا يستلزم بالضرورة، أن نستفيد من تجارب الآخرين وليس في هذا ما يعيب. ويمكن اذا أردنا، أن نتعلم من تجارب وخبرات مركز سنغافورة لادارة الأزمات، ونظامها للدفاع المدني، وادارة المدن.

وأقترح في هذا المجال تشكيل فريق عمل تحت قيادتكم بصلاحيات واسعة لترشيد الادارة على أن يضم هذا الفريق المواطنين المختصين أو الخبراء والشباب وبخاصة المؤهلين من الذين خرجوا في الأمطار والسيول لتقديم مواد الاغاثة للمتضررين. ان بعض هؤلاء الشباب من النساء والرجال، مؤهلون وقادرون على تقديم النصح والمشورة في عملية التعمير واعادة البناء. ولا يمكن، ولا يعقل أن يقبلوا بالفساد كأسلوب حياة.

اننا نحتاج الى ما يشبه خطة مارشال التي ساعدت على اعادة بناء أوروبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية. لكن هذا يحتاج الى حسن الادارة. والادارة الحكومية الكفؤة هي التي تؤدي عملها ليس فقط في جهة توفير المعجزة الاقتصادية لكن المعجزة الاجتماعية أيضاً وذلك بالشراكة بين الحكومة والمجتمع والمنظمات غير الحكومية والاعلام. ومثل هذه الشراكة ستساعد على توفير الحلول للتحديات التي تواجهنا وهي تحديات كثيرة يحتاج ابرازها الى اعلام مهني، قوي، ومسؤول يعمل بمثابة الرقيب على كل الأعمال التي تهم الدولة و المواطنين. وهناك اعتراف متزايد في العالم بدور الاعلام كوسيلة فعالة للمحافظة على الشفافية والمحاسبة وكوسيلة تواصل بين السلطة و الشعب.

كما قلت سابقاً فان الناس في جدة يتألمون لكنهم صامدون ومخلصون وأوفياء وهم يتطلعون لحلحلة كل المسائل التي تهم حياتهم وممتلكاتهم ومستقبل أبنائهم. انهم يرون المجتمعات الأخرى وهي تتطور بسرعة الصاروخ ولهذا فهم يحلمون أيضاً في السفر السريع على دروب الرخاء والتطور. وهم يتطلعون اليكم بكل ثقة وأمل في إلهامهم معاني التغيير وتنفيذ توجيهات القيادة في بناء وطن العزة والشموخ.

صاحب السمو الملكي:
أعتذر عن الاطالة، وأثق أن رسالتي هذه ستجد صدى لديكم وأنكم ستتقبلونها بنفس الروح السمحة التي كُتبت بها وعبر عنها ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز عندما قال فور عودته للمملكة «ان خادم الحرمين الشريفين لن يهدأ له بال حتى يرى الحلول الجذرية لكل المشاكل»
لسموكم كل التقدير، والدعاء بالتوفيق والسؤدد.
* رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز

المدينة 28/12/1430هـ