المجلات السعودية ودورها في توثيق ودراسة رحلات الحج

المجلات السعودية ودورها في توثيق ودراسة رحلات الحج
(مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة "نموذجاً")

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

حظي تاريخ الحرمين الشريفين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) بعناية تامة من قبل المسلمين وذلك منذ وقت مبكّر، ونجد ذلك جلياً في الكتب التي صُنّفت وأرّخَت لهما، إضافة لذلك فقد حظيت كل مدينة بدراسات خاصة؛ نظراً لتميّز كل مدينة بخصائص متعددة، فما أن تلقي نظرةً خاطفة على ما كُتب عن إحدى هاتين المدينتين، إلا وتجد أمامك مئات الدراسات والكتب والرحلات في هذا المجال.

وفي هذا الصدد نجد المجلات السعودية المعنية بهذا الشأن، ساهمت إسهاماً كبيراً في توثيق ونشر ودراسة وتحقيق بعض ما صدر من كتابات في شأن الحرمين الشريفين، ومن تلك الإصدارات (رحلات الحج) التي كتب فيها القاصي والداني، والتي امتازت برصدٍ لأحداث كثيرة ذات صلة بالحرمين، ومن تلك المجلات على سبيل المثال لا الحصر (مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة) الصادر عددها الأول في (صفر – ربيع الآخر 1423هـ)، والتي ساهمت بشكل كبير في عرض ودراسة أقوال الرحالة حول ما كتبوه عن الحرمين عموماً والمدينة المنورة خصوصاً، فبنظرة سريعة على البحوث المنشورة في المجلة نجد عدداً كثيراً في نشر تلك الدراسات التي تناولت ما كتبه الرحّالة في شأن المدينة المنورة، مثل (رحلة محمد بن عمر السبتي عام 684ه، ورحلة محمد العبدري عام 688هـ، ورحلة وخالد البلوي عام 737هـ،... وغيرهم)، كما نشر المجلة عدداً من الدراسات حول رحلات الغربيين للحرمين، مثل: (رحلة جوزيف بيتس عام 1091هـ، ورحلة جوهان بوركهارت عام 1230هـ، ورحلة ريتشارد بيرتون عام 1269هـ، وغيرهم).

وقد اتّسمت كتب رحلات الحج بتوثيقات مهمة على جميع الأصعدة، حيث رصد أولئك الرحّالة وصف المدينتين معمارياً والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى توثيق الحِراك العلمي، ومشاهداتهم لعادات الناس وتقاليدهم، ووصف خزائن الكتب وأماكنها، وكذلك ذكر أسماء العلماء والوجهاء والساسة، مع التطرّق إلى ذكر الأحداث السياسية المصاحبة لكل فترة زمنية، وهذا يعطي انطباعاً لدى القارئ أن تاريخ هاتين المدينتين يشكل أهمية كبيرة في التاريخ العالمي والإسلامي، ناهيك أن تلك الرحلات جُلّ من قام بتوثيقها أعلام المسلمين الذين ينتمون إلى قوميات وأجناس متعددة، وغايات جُلّهم التشرف بأداء فريضة الحج والمشاعر المقدسة المصاحبة لهذه الفريضة، أما الغربيون فرغم أهمية ما وثقوه إلا أن أغراضهم في زيارة الحرمين مختلفة، وهذا راجعٌ إلى الغايات التي من أجلها وثقوا ذلك.

وعليه، فقد ساهم الباحثون خلال نشر تلك الدراسات التي سلّطت الضوء على تلك الرحلات للحج في تصحيح بعض المعلومات الخاطئة التي كتبها بعض أولئك الرحّالة، حيث إن بعض الرحّالة يمكث أياماً محدودة في المدينتين، أو أشهراً وهذه بطبيعة الحال لا تعطي الصورة الكاملة عن بعض الأمور، خصوصاً المرتبطة بالأنساب وعقائد الناس ومدارسهم الفقهية، يضاف إلى أن بعض الرحالة يكتب كل ما يرى ويسمع، فشيء قد تسعفه الظروف بالتثبت عنه، وشيء قد لا تسعفه الإمكانات بالتثبت عنها، مثال ذلك ما ذكره الرحالة ريتشارد بيرتون في عدد المجلة رقم (17) صفحة 97 من أن جماعة من سكّان المدينة ممنوعون من الدخول إلى الحرم النبوي الشريف، دون ذكر تفاصيل أسباب ذلك، وما ذكره الرحالة جوزيف بيتس في عدد المجل رقم (6) صفحة 150 من أنه – جوزيف – أساء إلى بعض الشعائر الإسلامية بحكم عدم معرفته بالإسلام، فقد وصف الحجاج المتحمّسين عند رؤيتهم الكعبة بأنه (حماس أعمى ووثني)، وأنه نظر إلى جماعة قد جلسوا يسبّحون بمسابحهم في صحن المسجد، فظنّ أنهم في لعبة، فانخرط معهم فيها ... وغيرها من الشواهد.

هذه الشواهد وغيرها مما ساهم الباحثون في معالجة أخطاء بعض الرحالة، وخصوصاً غير المسلمين، الذين تعددت أغراض مجيئهم إلى الجزيرة العربية عموماً والحرمين الشريفين خصوصاً.

وعليه، فإن مجلة مركز دراسات وبحوث المدينة المنورة تُعد من المجلات التي ساهمت في توثيق رحلات الحج، وتاريخ الحرمين الشريفين عبر تسليط الضوء على تلك الكتابات التي بحاجة إلى مراجعات وتعليقات من قبل الباحثين والدارسين بأدوات البحث العلمي المنصف؛ لمنحها المكانة اللائقة بها دون إجحاف.

نقلا عن صحيفة مكة