قطار المشاعر
منذ أن سمعت بقطار الشرق في وقت مبكر، وعبر السماع عن القطار كوسيلة نقل آمنة إلى حد كبير بالقياس إلى وسائل النقل المختلفة من طائرات ووسائل بحرية إلى السيارات بأنواعها، كانت تساورني قضية القطار وما ينهض به كوسيلة كبرى، حيث كان قاطرة تسير بالفحم الحجري أيام زمان ثم ارتقى إلى الديزل والكهرباء،، ومنذ سنين غير طويلة أصبحنا نسمع عن القاطرة تجر عشرات (الفراقين) خلفها تبلغ المائة والخمسين، يشغل القطار أربعة أمتار في عرضه ويحمل كل شيء، يسير ليل نهار، ثم تطورت سرعة القاطرة حتى بلغت بل وتجاوزت الخمسمائة كيلو متر في الساعة.
ومنذ عقود خمسة أحلم بأن يكون في بلادي ـــ القارة ـــ شبكة قطارات تجوب هذه المسافات الشاسعة من الشمال إلى الوسط وإلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب؛ وكنت أكتب وأطالب وزراء المواصلات في بلادي أن يشرعوا في ربط هذه القارة بعضها ببعض عبر مراحل، وكان وزراء المواصلات يقولون إن الجدوى الاقتصادية غير مجزية، وهذا القول ارتجالي ولم يكن عبر حسابات ودراسات، ولو اتخذت حسابات مقننة بين ما ينفق على وسائل النقل المختلفة المستوردة لكانت النتيجة أن شبكة السكة الحديدية أوفر كثيرا مما عداها من الوسائل البرية وكذلك استهلاك الطرق إلخ.
وفرحت حين شرعت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في تنفيذ «قطار المشاعر المقدسة» لأنها أجدى من الحافلات وأضرارها وما تشغل من مساحات في أم القرى والمشاعر، وعبر ازدياد الحجيج فإن القطار أجدى وأسرع وأوفر تكاليف وانعدام أضرار التلوث الهوائي.. إلخ.
وأعلنت الحكومة أن حج 1431هـ سيكون وسيلته القطار، إذ يؤدي القطار أكثر ما تؤديه الحافلات بمختلف أحجامها، وربما يحتاج في العام الأول لاستعمال القطار لنقل نسب من الحجيج والباقي الحافلات، وفي عام 1432هـ يصبح القطار الوسيلة الوحيدة في نقل الحجاج عبر مكة ـــ منى ـــ عرفات، ذهابا وإيابا، وداخل مكة المكرمة تصبح وسيلة النقل (المترو)، بحيث لا يعول على السيارات إلا في الحد الأدنى للتخفيف من زحمة السيارات لتصبح مكة ساحات للحجيج وحركة الحياة التجارية ومرافق الخدمات في سعة خنقتها السيارات في كل شارع وركن وأنفاق ومنعطفات، لتتخلص رئة البلد الحرام من أذى التلوث أو بأقل نسبة، وربما يصبح في المدينة المنورة مثل ذلك في الزمن القريب، لأن اعتماد وسيلة واحدة في النقل يؤدي إلى المزيد من الاختناقات.. وإننا نترقب شبكة القطارات الطويلة المسافات للحد الكبير من الزحام الذي لا حدود له في السفر بالطائرات وما يكتنف ذلك من ارتباك وضغوط شتى، وحين يصبح في الوطن بدائل متميزة للنقل تصبح الحياة مريحة وأيسر إيقاعا، وأرجو ألا يطول الانتظار لشبكة السكة الحديدية التي تربط هذه القارة عبر أبعادها المختلفة، لأننا في زمن السرعة فهي لغة الحياة مع الإتقان فيما نعمل وننجز ونحقق للوطن والمواطنين وما ينهض بالحياة في حراكها السريع!
في يوم الخميس 14 من شهر محرم 1431هـ قلت لصاحبي أو قال لي صاحبي: دعنا نسعى إلى الساحات التي يسير فيها قطار المشاعر المقدسة فمضينا، وكان الوقت ضحى، فرأينا العمل ماضيا بين المشاعر.. ولفت نظري أعمدة خرسانة ربما بلغ ارتفاها عشرة أمتار، وهي التي ستكون حاملة للقطار أو القطارات في موسم الحج القادم بمشيئة الله، لكني استصعبت ذلك الارتفاع الشاهق، وقدرت أن فيه عسرا على الحجاج وتكاليف مالية؛ عالية وزمن تنفيذ أطول ومشكلات كثيرة أو جزها في النقاط التالية:
1- أكثرية الحجاج من كبار السن وهذه الكثرة لا تتحدث اللغة العربية من الرجال والنساء والأطفال.
2- هذا العلو الشاهق قد يصلح في بلاد ذات مدنية ورقي حياتي مثل المملكة المتحدة واليابان وأوروبا وكندا وأمريكا.. إلخ، لاختلاف الاستعمال والمتطلبات الأخرى.
3- هذا القطار في موسم الحج ينقل الحجاج لمدة سبعة أيام، أو عشرة أيام، إذا استعمل لنقل الخيام وما يلزم من أثاث وما إلى ذلك.. وحين يستعمل القطار لنقل الركاب بين مكة وجدة والمدينة.. إلخ، فإن السلالم الكهربائية التي يصعد منها الحجاج ويهبطون في محطات عرفة ومنى ومكة، سوف تتوقف عن العمل أكثر من أحد عشر شهرا، وسوف تحتاج إلى صيانة متجددة وتكاليف مالية.
4- لو حدث وتوقف القطار بانقطاع الكهرباء سيصبح معلقا لدقائق ولا بد أن في الحسبان أي عطل طارئ.
5- محطات القطار سوف تكون أقل في التكلفة ومدة التنفيذ، وسيكون من السهل إضافة محطات جديدة عند الحاجة.
6- إن تكاليف القطار المعلق ستكون عالية، ثم إن الأيسر لقطار المشاعر أن يسير على الأرض فذلك أيسر من كل الوجوه وبعيدا عن مشكلات تطرأ وفي ذلك تيسير على الحجاج.. ويمكن أن تكون مساراته لا تتعارض مع مسارات السيارات بكل أشكالها، وتحاط جوانب السكة الحديدية بأسلاك وشبابيك حديدية ولهذه السياجات أبواب تفتح وتغلق.
7- إذا أريد مرور السيارات من تحت مسار القطارات فإنه يعمل أبراج على ارتفاع حد أقصى خمسة أمتار، والسكة الحديدية تتدرج في ارتفاعها وهبوطها في حدود تلك النسبة من الارتفاع التي أشرت إليها.. وأؤكد أن ما عنيت هو التيسير الأجدى للأخذ به، وأعتقد أن الأمر ما زال في بداياته والأخذ به لا يعطل إلا الأعمدة الخراسانية التي عملت.. وإني أرجو أن يعاد النظر في موضوع القطار المعلق، لأنه لا يصلح لا في المشاعر ولا عبر الطرق الطوال عندنا، راجيا استدراك المشروع قبل فوات الأوان، لأن حركة قطار المشاعر المقدسة تلتمس فيه كل أسباب اليسر والتيسير، إذ لا ينسحب عليه ما عمل ويعمل في الشرق أو الغرب، لأنه لا يوائم حال الحج والحجيج.. والله المستعان.
عكاظ 8/2/1431هـ