جروليات في ذاكرتي

هزتني قطعة السكر التي طرزتها الابنة ( خلود) بنت الحبيب وابن حارتي (طلال ) ابن العم ــ كبير رجال جرول وعمدتهم ــ المرحوم الشيخ (بن حسان).. تحت عنوان ( جرول.. قطعة سكر بدأت تذوب) والتي نشرت بصحيفة عكاظ يوم الأربعاء 14/ابريل/2010م. بالعدد رقم (15936 ).. نعم.. أقولها وبكل فخر.. لقد سقطت دمعة غالية وغالبة جداً أعقبتها دمعة على ما جاء في موضوع الإبنة ( خلود) وأقول لها يا جرولية ( يا خلود) قطعة السكر لن تذوب إطلاقاً لأنها ستظل في وجداننا ودواخلنا وذكرياتنا.. فأنت بقطعتك الرائعة التي تمثلت في السرد الأدبي ، المطرز بالصور البديعة التي أتى بعضها مباشرة والآخر غير مباشرة في وصفك لجرول وبعد أن أكملت قراءتها أحسست وكأن ريحاً عاتية أتت على صفحات جرول المكنوزة في خاطري ووجداني.. وبدأت تفتحها صفحة تلو الأخرى عندها تذكرت (بيت جدك ، وأبيك.. وبيت الكرام (سالم وصالح بن عباس) ، وبيت (الخويطر) ، وبيت (عم حمزة جعلي) ، وبيت ( أمي موسية) كما سمعت هذا الإسم من والدتي ( رحمها الله) ، وبيت (المواليد) ، ومعصرة السمسم التابعة للعم (بازهير) رحمه الله ، وبيت (الجفري) وهم أكثر من بيت ، والسقا العم ( بخيت ).. وحماره وما يحمله من صفائح الماء ، وفرن العم (عبدالقادر شاكر) للعيش الحب ، وعمالته من الإخوة الكرام اليمنيين والشهير منهم الذي يدعى( العديني) وبياع البرسيم ( العم سلامه) رحمه الله ، وبياع المقلية ( العم سالم أو سعيد) لا أتذكر بالضبط رحمه الله أيضاً ، وبقالة العم (أحمد العوبثاني) رحمه الله ، وبقالة العم ( أحمد بن سلمان ) وأشهر بائعي قطع الغيار في جرول العم ( أحمد باجبران) والركن الثقافي الصغير التابع للعم ( عبدالكريم التكروني) والذي كنت أستقطع وقتاً لآخذ منه قصص سوبرمان والوطواط ،وأحياناً أقرأ وأطلع على صفحات من مجلد ( كليلة ودمنة) وأتذكر أيضاً بيت ( البابطين) و( باشماخ) ، والحبيب (سالم الحٌشْحٌشْ) كما كان يطلق عليه من قبل شباب جرول وعتاولته والذي اشتهر بدراجاته النارية ، وصوتها العالي وورشته التي كان يتخذ من حراج جرول القديم مكاناً لها ، ومركز الشرطة القديم ، وبازان القبة ، وبائع السمك الشهير في جرول ، وبائع السوبيا.

ياه.. يا ابنتي خلود.. لقد أوجزتِ في طرحك بعكاظ ولكنك حقاً أوجعتِ..فرحم الله الكثير والكثير منهم.. كلهم ذابوا يا ابنتي كقطعة السكر ولكني شخصيا مازلت أرى شخوصهم وأشكالهم تزورني وأصواتهم ترن في أذني بنصائحهم وتوجيهاتهم وخوفهم علينا وكنا بحق نخاف منهم عندما نرتكب خطأ أو نحدث شغباً.. فالكل كان أباً لنا والكل من أهل جرول كان أماً.. وهذا ما أحسه وأشعر به حتى هذه اللحظة رغم مرور هذه السنين الطويلة.

نعم ابنتي ( خلود) ستظل جرول قطعة سكر لن تذوب في ذكرياتنا سنظل نسقي فتيل ذكرياتها بحبنا وتماسكنا كلما صوبنا نحو جرول أو مررنا بحدوده حتى وإن نهشت صخوره وحجارته وأركان منازله القديمة جرافات التطوير وتوسيع دائرة المسجد الحرام ليكون متنفسا للمعتمرين والحجاج والزائرين فقديماً أوسعنا لهم ومازلنا قلوبنا وأسكاناهم منازلنا فلا عجب أن نبارك ما يحدث من توسعة للبيت الحرام.. وسنظل نحن الجروليين نفتخر بتمازجنا وتقاربنا وتراحمنا وخوفنا على بعض ونظل نحن الجروليين نتذكر تباسي رمضان عندما نجوب بها وهي على رؤوسنا ونحن صغار من بيت لبيت قبل الإفطار لنكمل به عقد التراحم والترابط المشهود والمعروف عن أسر وأهالي جرول وهذا ديدن كافة أهل مكة.. وسنظل نحن الجروليين نتذكر رجاله الأقوياء الأوفياء..ولا تخافي (ياخلود) ولا تحزني ستخلد بيوت جرول وحاراته وأزقته وحجارته في عقولنا.. وسيظل جرول قطعة سكر كلما ذابت أعدنا تكوينها في جوارحنا وقلوبنا وليعذرني الجروليون إن نست أحداً.. فما أسعفتني به الذاكرة أوردته.

الندوة 8/5/1431هـ